خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز “النبي القدوة في بيته وحياته”
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 9 ربيع الأول 1443هـ ، الموافق 15 أكتوبر 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م بعنوان : النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته.
أولاً: مقدمةٌ لابد منها
ثانيًا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتهِ وحياتهِ .
ثالًثا: صورٌ من اقتداءِ الصحابةِ بالنبيِّ المختارِ صلى الله عليه وسلم .
رابعًا: كيف اَقتدِي بالنبيِّ العدنانِ صلى الله عليه وسلم؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 أكتوبر 2021م بعنوان : النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) في بيته وحياته : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: النبيُّ القدوةُ صلى الله عليه وسلم في بيته وحياتِه د. محمد حرز بتاريخ: 9 ربيع الأول 1443هــ – 15 أكتوبر2021م
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعلَ لنَا مِنَ الأنبيَاءِ والصَّالحِينَ قُدوَةً وَمَثَلاً، الحمدُ لله القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّه من خلقهِ وخليلُه ,القائلُ كما في صحيحِ البخاريِ ومسلمٍ مِنْ حديثِ أَبِي هريرةَ رضى الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أُعطيتُ جوامعَ الكلِمِ ونُصِرْتُ بالرُّعبِ وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ وجُعِلت لي الأرضُ طَهورًا ومسجدًا وأُرسِلْتُ إلى الخَلقِ كافَّةً وخُتِم بي النَّبيُّونَ) فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرا إلى يومِ الدينِ.
سعدتْ ببعثةِ أحمدَ الأزمـانُ *** وتعطـرتْ بعبيرِه الأكـــــــوانُ
والشركُ أنذرَ بالنهايةِ عندمـا *** جاء البشيرُ وأشرقَ الإيمانُ
يا سيدَ العقلاءِ يا خيرَ الورى*** يا من أتيتَ الى الحياةِ مبشرًا
وبُعثتَ بالقرآن فينا هاديا ***وطلعتَ في الأكوان بدرا نيرًا
واللهِ ما خلق الإلهُ ولا برى ***بشرًا يرى كمحمدٍ بين الورى
أما بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102)
أيها السادةُ: (( النبيُّ القدوةُ صلى الله عليه وسلم في بيتهِ وحياتهِ )) عنوانُ وزارتِنا وعنوانُ خطبتِنا
عناصرُ اللقاءِ:
أولاً: مقدمةٌ لابد منها
ثانيًا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتهِ وحياتهِ .
ثالًثا: صورٌ من اقتداءِ الصحابةِ بالنبيِّ المختارِ صلى الله عليه وسلم .
رابعًا: كيف اَقتدِي بالنبيِّ العدنانِ صلى الله عليه وسلم؟
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنا عن النبي المختارِ وهو القدوةُ الحسنةُ والمثلُ الأعلى وبخاصةٍ ونحن في شهرِ مولدِه صلى الله عليه وسلم وأيضاً نعيشُ زمانًا فَقَدَ فيه شبابُنا وأبناؤُنا القدوةَ والمثلَ الأعلى في كلِّ ميادينِ الحياة.ِ فبحثوا عن القدوةِ في التافهين والتافهات والساقطين والساقطات ولا حول ولا قوة إلا بالله . وما أجملَ أن يكونَ الحديثُ عن رسول اللهِ، وما أحلى أن يكونَ الحديثُ عنه وكيف لا وهو إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وكيف لا وهو قدوتُنا وأسوتُنا ومعلمُنا ومرشدُنا بنصٍّ من عند اللهِ .
والحديثُ عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حديثٌ جميلٌ رقيقٌ رقراقٌ طويلٌ لا حدَّ لمنتهاه وكيف لا؟
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ***مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَةً***مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلِ اللهِ قاطِبَةً***مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ***مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ***مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ
أولًا: مقدمةٌ لابد منها
أيها السادةُ : من سنن اللهِ في الكون أنّ الضياءَ يأتي بعد الظلامِ، وأنّ الفرجَ يأتي بعد الضيقِ، وأنّ اليسرَ يأتي بعد العُسرِ فكان ميلادُ النبيِّ العدنانِ صلى الله عليه وسلم ميلادُ أمةٍ . والقلوبُ تتعلقُ بالجمال كأمرٍ فطريٍ جبليٍ، فكيف بمَن جمعَ اللهُ له الجمالَ والكمالَ خَلقًا وخُلقًا؟ لذا جعل اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أسوةً حسنةً لنا، فأدبَه اللهُ تعالى وأحسنَ تأديبَه، وعلمَه فأحسنَ تعليمَه. فالأسوةُ الحسنةُ والقدوةُ الطيبةُ والمصطفى والمجتبى من بين العالمين هو رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي شرح اللهُ له صدرَه، ورفع اللهُ له قدرَه، وأعلى اللهُ له ذكرَه، وطهرَهُ ورفعَه وكرّمَه على جميع العالمين، زكَّاهُ ربٌّه في كلِّ شيءٍ: زكَّاهُ في عقلهِ فقال جل وعلا: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم:2]، وزكَّاهُ في بصرهِ فقال جل وعلا: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم:17] ، وزكَّاهُ في صدرهِ فقال جل وعلا: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح:1] ، وزكَّاهُ في ذكرهِ فقال جل وعلا: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح:4] ، وزكَّاهُ في طهرهِ فقال جل وعلا: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح:2]، وزكَّاهُ في صدقهِ فقال جل وعلا: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم:3] ، وزكَّاهُ في علمهِ فقال جل وعلا: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم:5] ، وزكَّاهُ في حلمهِ فقال جل وعلا: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة:128] ، وزكَّاهُ في خلقهِ كلِّهِ فقال جل وعلا: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4] صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم، الله أكبر!
ومما زادنِي شرفًا وتيهًا * وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
دخولي تحت قولِك: (يا عبادي) * وأنْ صيَّرتَ أحمدً لي نبيِّا
ثانيًا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيته وحياتهِ .
أيها السادةُ : تعالوا بنا لنتعرفَ على هديِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في بيته وحياتهِ؛ لنسيرَ على دربِه ونقتدىَ بهديِه فهو قدوتُنا وهو أسوتُنا ومرشدُنا بنصٍّ من عند اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21] ، وكيف لا؟ واللهُ أمَرَ نبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلَ أيِّ أَحَدٍ أنْ يَقْتَدِيَ بإِخْوَانِهِ مِنَ الأنبِياءِ فقَالَ مخاطبًا إياه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ )الأنعام: 90) ولَمَّا اشْتَدَّ بِهِ البَلاءُ أَمرَهُ اللهُ بالصَّبرِ كإخْوانِهِ مِنَ الأنبيَاءِ فقالَ سُبحَانَهُ: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ (الأحقاف: 35) ومن المعلومِ يا سادة أنَّ اقتداءَ الْبشَرِ بعضِهِمْ ببعْضٍ فِطْرَةٌ جِبِلِّيَّةٌ، وَسُنَّةٌ آدَمِيَّةٌ، جَبَلَ اللهُ النفُوسَ عليهَا، فتَرَى النَّاسَ يُقَلِّدُ بعضُهُمْ بعْضًا، سَواءٌ كانَ هذَا التَّقلِيدُ في الخيرِ أوْ في الشَّرِّ.
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا ♦♦♦ عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
فنبيُّنا صلى الله عليه وسلم كان خيرَ قدوةٍ في بيته وأسرتهِ ، مع زوجاتِه وبناتِه؛ حيثُ كان يحدِّثُهم بأطيبِ الكلماتِ وأرقِّ التعابيرِ، وكان يلاعبهُم ويلاطفهُم، ويُدخلُ السرورَ على قلوبِهم، ويعدلُ بينهم ولقد وصفتْ أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها خُلقَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما في مسندِ أحمد قَالَتْ:( كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ) ،وكان صلى الله عليه وسلم خيرَ الناسِ لأهلِه، فكان نعمَ الزوجُ، ونعمَ الأبُ، ونعمَ الجدُّ، فهذه زوجُه خديجة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ تصفُه صلى الله عليه وسلم فتقولُ له: «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِى الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ” (متفق عليه) وكان صلى الله عليه وسلم يُعينُ أهلَه ويساعدُهُم في حاجتهم، فعن عائشةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أنَّها سُئِلت: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعمَلُ في بيتِه ؟ قالت: كان يَخيطُ ثوبَه ويخصِفُ نعلَه ويعمَلُ ما يعمَلُ الرِّجالُ في بيوتِهم)رواه أحمد وابن حبان ، وسأل رجلٌ عَائِشَةَ رضى الله عنها ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاة» رواه البخاري ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي. تقول عائشةُ رضى اللهُ عنها: ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبَه سمتًا وَهديًا ودلًّا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من فاطمةَ كانت إذا دخلتْ عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه وَكانَ إذا دخلَ عليها قامت فأخذت بيدِه فقبَّلتهُ وأجلستهُ في مجلسِها))رواه أبو داود والترمذي. وفي صحيح مسلم قالت عائشةُ رضي اللهُ عنها (كُنَّ أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عنده فأقبلت فاطمةُ رضي الله عنها تمشي ما تُخطئُ مشيتُها من مشيةِ رسول الله شيئًا فلما رآهَا رحّبَ بها وقال: (مرحبًا يا بنتي) ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله) اللهَ اللهَ في أخلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن عنايتهِ صلى الله عليه وسلم بمشاعرِ أمهاتِ المؤمنين ، ما رواه الشيخان عن عائشةَ رضي الله عنها إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ)) فمن عنايتِه بمشاعرِها صــار يعلمُ رضاها وغضبَها من مجردِ كلامِها .فأين نحن من قدوتنا في بيوتنا ياسادة مع أزواجِنا وأولادِنا ؟. وكان صلى الله عليه وسلم خيرَ الناسِ لأمتهِ، حيثُ يقولُ كما في حديثِ أبي هريرةَ رضى الله عنه قال: قال رسولُ الله : «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاه» رواه البخاري، ويقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه ابن ماجه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي سيدنا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (إبراهيم:36) ، وَقَولَ سيدنا عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (المائدة:118) ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ، أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ» رواه مسلم فكان نعم النبيُّ القدوة صلى الله عليه وسلم في حياته كلِّها فما أحوجنَا أنْ تقتديَ بهدى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم .
ثالثًا: صورٌ من اقتداء الصحابةِ بالنبي المختارِ صلى الله عليه وسلم .
أيها السادة : الصحابةُ الأخيارُ كانوا خيرَ مثالٍ للسيرِ على نهجِ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم وكيف لا ؟ فهم أفضلُ الخلقِ بعد الرسلِ والأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وأنّ قلوبَهم أنقى وأتقى قلوبًا بعد قلبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقلوبِ الرسلِ والأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام ، وهم أبرُّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقُها علمًا وأقلُّها تكلفًا، وأتقاهُم لله تعالى-، وأكثرهُم خشيةً لله -تعالى-وأفضلُ منا عند الله – عز وجل وكيف لا؟ ولقد أرشدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صحابتَه إلى أنْ يقتدوا به في أقوالِه وأفعالِه، ولا سيما في العبادات، فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاريِّ (صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ) وفي الحج كما في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” ولذلك كان عمرُ – رضي اللهُ عنه- يُقَبِّلُ الحَجَرَ ويقولُ: وَاللَّهِ، إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ(متفق عليه ، وفي الصيامِ اتبعوه- صلى الله عليه وسلم- واقتدوا به في الوصال؛ فنهاهُم رحمةً ورأفةً بهم وشفقةً عليهم ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا رواه البخاري. ولشدةِ اقتداءِ الصحابةِ الأخيارِ بنبيهِم صلى الله عليه خلعوا نعالَهم في الصلاة كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم فما أحوج الأمةَ الآن أن تحولَ سيرةَ و شخصيةَ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى منهجِ حياةٍ ،وإلى واقعٍ يتجلى سموًا وروعةً وجلالاً ، فما أحوج الأمةَ التي تجيدُ الكلامَ والاحتفالاتِ والقصائدَ والأشعارَ – إلى أنْ تحولَ خلقَ النبيِّ المختارِ صلى الله عليه وسلم إلى واقعٍ عمليٍ ومنهجِ حياةٍ ، لتسعدَ في الدنيا والآخرةِ
أحزانُ قلبي لا تزول** حتى أبشرَ بالقبول
و أرى كتابي باليمين ** وتقرعيني بالرسول
أقول قولي هذا واستغفر اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
رابعًا: كيف اقتدي بالنبي العدنانِ صلى الله عليه وسلم؟
أيها السادة : اَقتدِي بالنبي صلى الله عليه وسلم في التخلقِ بأخلاقهِ والتأسيِ بسنتِه والسيرِ على نهجِه واتباعِه فيما أمر واجتنابِه فيما نهى وزجر قال تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (سورة آل عمران: 31)
فكونوا قدوةً في العفو والصفحِ، قدوةً في الحياءِ، قدوةً في الشفقةِ والرحمةِ كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فعن مالك بن الحويرث قال: أتَيْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونحن شَبَبةٌ مُتقارِبونَ، فأقَمْنا عندَه عِشرينَ لَيلةً، -وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحيمًا رَقيقًا) رواه الدار قطني وكيف لا؟ وقد قال اللهُ عز وجل عنه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( (الأنبياء 107).
كونوا قدوةً في الجود والكرمِ كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كان أجودَ الناسِ وأكرمَ الناسِ فعن أنسِ بن مالكٍ قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجعَ إلى قومهِ ، فقال : يا قوم ، أسلموا ، فإِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِى عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ) رواه مسلم.
كونوا قدوةً في الخشية والخوفِ من الله كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فعن مُطَرِّف عن أبيه رضي الله عنهما قال: (رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيزٌ كأزيزِ الرحى من البكاء )رواه أبو داود .
كونوا قدوةً في الثبات مع اليقين بوعد اللهِ، قدوةً في الصبر على الناسِ والعفو عن المسيءِ، قدوةً في كثرةِ الاستغفارِ والتوبةِ، قدوةً في العبادة، قدوةً في ذكر الله تعالى، قدوةً في الصلاة والصيامِ كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم.
كونوا قدوةً في المعاملاتِ مع الناس كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم : كان أحسنَ الناسِ معاملةً.
باع رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم واشترى وآجرَ واستأجرَ، وشاركَ غيرَه، ولما قَدِمَ شريكُه قال: أما تعرفُنِي؟ قال صلى الله عليه وسلم (أما كنت شريكي كنتَ شريكي في الجاهليَّةِ فَكنتَ خيرَ شريكٍ لا تُداريني ولا تُماريني) رواه ابن ماجه
عِبَادَ اللهِ: نحن اليومِ في أمسِّ الحاجةِ إلى القدوةِ الصالحةِ والمثلِ الأعلى بسبب الضعفِ الذي لحق ببعضِ المسلمين من خلال غيابِ القدوةِ وغلبةِ الأهواءِ وإيثارِ المصالحِ الخاصةِ. وتشتدُّ الحاجةُ إلى الأسوة الحسنةِ في هذه الفترةِ العصيبةِ التي تمرُّ بها كثيرا من بلدان المسلمين ،فإذا أردنا أن يحققَ اللهُ لنا النصرَ والتمكينَ فلابدَّ من العملِ بالكتاب المبينِ والاقتداءِ بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم والعودةِ إلى اتباع سبيلِ المؤمنين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ
كونوا قدوةً صالحةً لمن ولاكم اللهُ أمرَه، وكونوا قدوةً حسنةً لغيركم كونوا قدوةً صالحةً لأبنائِكم ليسعدوا في الدنيا والآخرةِ . (.
فكما كان رسولُ الله هاديا ومبشرا ونذيرا فكن أنت على أثرِه هاديا ومبشرا ونذيرا، وكما كان رسولُ الله رحمةً مهداةً فكن أنت أيضا رحمةً للناس ، وكما كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، كن أنت أيضا بالمؤمنين رؤوفا رحيما .
نسأل اللهَ أن يرزقنا صدقَ محبتِه وصحةَ الاقتداءِ به وأن يعينَنا على تتبع أثرِه وأن يتوفنَا الله وهو راضٍ عنا اللهم آمين .
عبادَ اللهِ : اذكروا اللهَ يذكركم واستغفروه يغفر لكم وأقم الصلاةَ
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف